بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن المرأة هي إحدى صمامات الأمان للمجتمع الإسلامي وهي عنصرٌ فعال في مسيرة الأمة الإسلامية لا يمكن إغفال دورها ومكانتها أو تجاهله فهي الأم وهي الأخت وهي الزوجة وهي الابنة وهي الخالة وهي العمة ... فهي تمثل نسبة كبيرة من المجتمع الإسلامي ولها دور فعال في إصلاح المجتمع أو إفساده، لذا فقد ترسخ في عقول أعداء الإسلام ضرورة استغلال هذا العنصر الفعال في مجتمعاتنا فانتلقوا يتبارون في سبيل نخر الأساس وتشويه المفاهيم وبث الشبهات والسموم .
وقد حاول أعداء الإسلام تجريد المرأة المسلمة من أسلحتها الدفاعية ومنطلقات عزتها التي هي خير عون لها على سبيل الإصلاح .
فتارة نجد الأعادي يصولون ويجولون لأجل إخراج المرأة من قلعتها الحصينة التي أمرها الله عز وجل بلزومها فقال سبحانه (وقرن في بيوتكن).
وتارة يثيرون الشبهات حول حجابها وهم يريدون الخلوص إلى عفتها وطهرها، وقد علمت بنت الإسلام أنه فريضة محكمة فزادتها تلك الشبهات تمسكًا بدينها وحجابها استجابة لأمر ربها (قل للمؤمنات يدنين عليهن من جلابيبهن)
وبالرغم من تمسك الموحدات بحجابهن وقيم الإسلام العظيمة فإن أعداء الإسلام لا يفتأون عن حربها من خلال وسائل الإعلام والمجلات ودور التعليم وغيرها.
ولكن ... (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ) .
إلا أنه مما يحزن له قلب الموحد وينشغل به لب العاقل تأثر بعض المنتسبين إلى الإسلام من رجال ونساء بتلك الشبهات التي يثيرها الأعداء وبتلك السموم التي يدسونها في معسول المقال .
لأجل ذلك رأيت أن أرد على تلك الشبهات المثارة حول الحجاب في رسالة لطيفة الحجم حتى يسهل تداولها وتتيسر قراءتها، وقد جعلتها في صورة سؤال وجواب زيادة في التيسير والتسهيل وتجديدًا في الأسلوب، عسى الله أن ينفع بها ويرد أولئك المفتونين إلى الهدى والحق ويقطع دابر المشبهين ويرد كيدهم وعدوانهم .
وما هذه إلا مشاركة يسيرة في الدفاع عن دين الحق وشريعة رب الخلق عسى الله أن يثبتنا وعباده الموحدين ويلهمنا سبل الرشاد حتى نلقاه على التوحيد والسنة، ونعوذ بعزته أن يفتننا، أو أن نرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله.
وكتبه حامدًا ومصليا
إسلام محمود دربالة
فرضية الحجاب
س: بعض الناس يقولون: إن الحجاب عادة وليس عبادة؟
ج: هذه دعوى باطلة إذ إن الحجاب فريضة فرضها ربنا عز وجل في كتابه وشرعها نبينا صلى الله عليه وسلم في سننه، وأجمع المسلمون على فرضيته.
ومن أدلة فرضية الحجاب من كتاب ربنا:
{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النور: 31] في هذه الآية الكريمة ثلاث مواضع استُدل بها على وجوب تغطية المرأة كامل جسدها بما في ذلك وجهها:
الأول: قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}.
الثاني: قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}.
الثالث: قوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}.[عودة الحجاب(3/262)].
س: وما المقصود بقوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}؟
ج: استمعي أختي لكلام شيخنا أبي بكر الجزائري وهو يقول: ((إن دلالة هذه الآية على الحجاب الكامل أظهر وأقوى من الآيات السابقة؛ وذلك لأن إثارة الفتنة بسماع صوت الخلخال في الرجل إذا ضربت المرأة برجلها وهي تمشي أقل بكثير من فتنة النظر إلى وجهها وسماع حديثها، فإذا حرم الله بهذه الآية على المرأة أن تضرب الأرض برجلها خشية أن يُسْمَعَ صوت حليها فيفتن به سامعه، كان على تحريم النظر إلى وجهها وهو محط محاسنها أولى وأشد حرمة)) [فصل الخطاب في المرأة والحجاب ص 34].
س: وماذا عن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[الأحزاب: 59]؟
ج: هذه الآية أحد أدلة وجوب الحجاب وتغطية المرأة كامل جسدها.
قالت أم سلمة لما نزلت هذه الآية: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها)[رواه أبو داود بسند صحيح].
س: وما المقصود بالجلباب في هذه الآية؟
ج: ((المقصود من الجلباب أن لا ينحصر باسم ولا بجنس ولا بلون، وإنما هو كل ثوب تشتمل به المرأة ستر مواضع الزينة، والجلباب أكمل من ضرب الخمار لأنه يحيط ببدن المرأة كلها ويستر جميع ما يعلو بدنها من الزينة أو ما يصف جسمها؛ لأن لبس الثياب التي تصف حجم المرأة حرامٌ عليها استعمالها بحضرة الرجال الأجانب. [نظرات في حجاب المرأة المسلمة (ص 48)].
س: لو ذكرت لنا بعض كلام أهل العلم المعتبرين حول هذه الآية؟
ج: يقول الحافظ ابن كثير: ((يقول الله تعالى آمرًا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر النساء المؤمنات خاصة أزواجه وبناته لشرفهن بأن يدنين عليهن جلابيبهن ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية وسمات الإماء [تفسير ابن كثير (3/470)].
س: وهل قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} هي خاصة بأمهات المؤمنين؟
ج: ((إن الأمر بالحجاب في هذه الآية لا يختص بأمهات المؤمنين، وإن كان ضمير النسوة يرجع إليهن لأجل أنهن هن المذكورات في السياق، ولأنهن الأسوة والقدوة لنساء المسلمين في جميع نواحي الحياة)) [عودة الحجاب (3/244)].
س: اذكر لي -رحمك الله وعفا عنك- بعض أقوال أهل العلم حول هذه الآية الشريفة؟
ج: يقول السيوطي: ((هذه آية الحجاب التي أُمر بها أمهات المؤمنين بعد أن كان النساء لا يحتجبن)) [الإكليل في استنباط التنزيل ص (179)]، ويقول الشيخ أبي بكر الجزائري: ((فهذه الآية الكريمة تعرف بآية الحجاب إذ هي أول آية نزلت في شأنها وعلى أثرها حجب رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، وحجب المؤمنون نساء هم وهي نص في فرض الحجاب)) [فصل الخطاب في المرأة والحجاب (ص 34)].
س: اذكر بعض أدلة وجوب الحجاب من السنة المطهرة؟
ج: عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقالت أم سلمة -رضي الله عنها: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: ((يرخين شبرًا)) فقالت: تنكشف أقدامهن، قال: ((فيرخينه ذراعًا لا يزدن عليه)) [رواه أبو داود والترمذي وقال حسنٌ صحيح] فإذا كان يجب على المرأة ستر قدمها لئلا يراه أجنبي فكيف ببقية جسدها؟!.
س: وهل يستنبط من قوله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والدخول على النساء)) على فرضية الحجاب؟
ج: نعم، يستفاد منه فرضية حجاب النساء، قال العلامة الشنقيطي: ((هذا الحديث الصحيح صرح فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالتحذير الشديد من الدخول على النساء فهو دليلٌ واضح على منع الدخول عليهن وسؤالهن متاعًا إلا من وراء حجاب)) [أضواء البيان (6/592)].
س: وكيف نجيب على من يقول بأن الحجاب حرية شخصية؟
ج: تقدم ذكر أدلة فرضية الحجاب وأنه عبادة وشريعة ربانية.
فإذا ثبت ذلك فالواجب على العبيد الخضوع لشريعة ملك السموات والأرض وامتثال أوامره {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}.
التبرج