العلم بصفات الله سبحانه وتعالى يكون من خلال العلم بمعاني أسمائه ولا يتحقق هذا العلم إلاّ من خلال معرفة هذه الصفات في الخلق والنّاس، فإذا علمنا أنّ الله سبحانه وتعالى هو الخلاق فإنّ هذا المعنى لا يتضح إلاّ بالعلم بمخلوقات الله وإذا علمنا أنّ الله هو الرحمن الرحيم فإنّ المعرفة الحقيقية بمعاني رحمة الله لا تتأتى إلاّ بمعرفة آثار هذه الرحمة في الخلق والنّاس والدنيا والآخرة، وهكذا إذا علمنا أنّ الله شديد العقاب، يؤاخذ بالذنب، ويعاقب به فلن نعلم حقيقة هذه الصفة إلاّ إذا عرفنا آثارها في الخلق والنّاس.
الله سبحانه وتعالى هو الرب الرحمن الرحيم، الحليم الكريم المنان، الرؤوف، السميع العليم، الغفور الودود، ذو المن والإحسان، والذي وسع كل شيء رحمة وعلماً.
وهو نفسه سبحانه الملك القهار الغالب، الجبار المتكبر الذي يؤاخذ بالذنب، شديد العقاب ذي الطول لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم.
وإذا قرأت القرآن الكريم وجدت أنّ الله سبحانه وتعالى لا يذكر رحمته إلاّ وذكر صفات عذابه ونقمته.
وأنّه يذكر عباده دائماً أنّه الرحمن الرحيم، وأنّ عذابه هو العذاب الأليم.
قال تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ} [سور الحجر: 49-50].
وقال تعالى: {حم (1) تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [سورة غافر: 1-3]. فذكر عباده في مطلع هذه السورة (سورة غافر) أنّه الله العزيز العليم، وأنّه غافر الذنب، وهذا من صفات رحمته وإحسانه وبره بعباده المؤمنين التائبين، وأنّه سبحانه شديد العقاب، وهذا في عباده الظالمين الكافرين الفاسقين..
وأنّه سبحانه ذو الطول الغني عمّا سواه، الذي له الملك كله، وله الأمر كله..
وقال تعالى في ختام سورة الرحمن التي خاطب الله فيها الإنس والجان، ودعاهم إلى الإيمان به، وبين لهم أنّه مندوحة لأحد منهم عن الإيمان به والإذعان له، وأنه أحداً منهم لن يخرج من قبضته وملكه وقهره، ثم ذكرهم سبحانه وتعالى بكيفية عقوبته على الذنب فقال: {فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ{37} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{42} هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [سورة الرحمن: 37-45].
ثم بين سبحانه وتعالى في وصف طويل كيفية إنعامه وإكرامه وإحسانه إلى عباده المؤمنين فقال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59)هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [سورة الرحمن: 46-59] ثم بين سبحانه نعيماً دون هذا النعيم لعباده المؤمنين.
ثم ختم ذلك سبحانه وتعالى بقوله: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [سورة الرحمن: 78]، فختم هذه السورة العظيمة ببيان أنّه الرب الإله المتصف بصفات الجلال، وهي صفات العظمة والكبرياء، والقهر والبطش، وصفات الإكرام وهي أنّه الرب الرحمن الرحيم الرؤوف الكريم ، ومن أجل ذلك نال أهل معصيته ما نالوا من النّار والخسار والدمار، ونال أهل طاعته ما نالوا من الجنّة والنعيم والرضوان والإكرام..
وفي سورة النجم يعلم الله سبحانه وتعالى بصفات جلاله وجماله، ورحمته وعظمته وكبريائه، مذكراً أنّ هذه الصفة مع هذه الصفة، وأنّه الرحمن والجبار والرحيم وشديد العقاب، وأنّه الغفور وشديد العقاب..
قال تعالى: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (45) مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56) أَزِفَتْ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنتُمْ سَامِدُونَ (61 فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [سورة النجم: 42-62].
فهو الذي أضحك أهل الجنّة عندما رحمهم ومن عليهم، وأبكى أهل النّار بكاء لا انقطاع له بكفرهم وعنادهم، وهو الذي أحيا بالإيمان من شاء، وأمات بالكفر من أراد، وهو الذي أهلك الظالمين وأنزل بهم بأسه الذي لا يرد {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} [سورة النجم: 50-52](أحداً منهم يمشي الأرض)، وقال تعالى: {فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ} [سورة الحاقة: 8]، {وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ} [سورة النجم: 52-53]، (قرى لوط في وادي الأردن التي قلبها على أهلها عند الصباح) {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}!! [سورةهود: 81] {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} [سورة النجم: 54] من المطر الخبيث وهذه آثاره لليوم (البحر الميت)، والحجارة التي حصدتهم عن آخرهم {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ} [سورة القمر: 34] {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [سورة هود: 82-83]. قال تعالى: {وَقَوْمَ نُوحٍ} (أي: أهلكناهم) {إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى} أي: من قوم هود، وقوم صالح، وإخوان لوط!! ثم قال تعالى مخاطباً: {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الْأُولَى}.
(اللهم إنى أسألك خير المسألة,, وخير الدعاء,, وخير الحياة ِ وخير الممات)