أمنيتي لأولادي
نتمنى لأولادنا السعادة في الدنيا و النجاة في الآخرة، و لِمَ لا فمعاني الحب و الشفقة التي امتلأت بها قلوب الآباء و الأمهات، تجاه الأبناء و ما أودعه ربنا جل و علا في قلوب عباده من الرحمة تأبى إلا ذلك.
روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم على أبي يوسف القين و كان ظئرا لإبراهيم فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم إبراهيم ولده و قبّله و شمّه ثم دخلنا عليه بعد ذلك و إبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه و سلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن رضي الله عنه: و أنت يا رسول الله؟فقال صلى الله عليه و سلم:"يا بن عوف إنها الرحمة،ثم قال:إن العين تدمع و القلب يحزن، و لا نقول إلا ما يرضي ربنا، و إنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون".
و الراحمون يرحمهم الرحمن، و لا تُنزع الرحمة إلا من شقي، و لذلك دخلت بغيٌّ من بني إسرائيل الجنة في كلب سقته، و على العكس عُذِّبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، و قيل لها:"لا أنت أطعمتها و لا سقيتها حين حبستها، و لا أنت أرسلتها فأكلت من خشاش الأرض"رواه البخاري.
فإذا كانت الرحمة مطلوبة مع الحيوانات و البهائم، فكيف يكون الأمر مع الأبناء و أولاد الناس.
و روى البخاري عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:" إني لأدخل في الصلاة فأريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز(فأخفف)مما أعلم من شدة وجد أمه من بكاءه".
و عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم بسبي،فإذا امرأة من السبي تسعى إذ وجدت صبيا في السبي أخذته فألزقته ببطنها فأرضعته فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم:"أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟!" قلنا:لا و الله،فقال:" الله أرحم بعباده منها ولدها".
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:"جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة و تسعين، و أنزل في الأرض جزءا واحدا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه".
و كان النبي صلى الله عليه و سلم يُقَبِّل الحسن أو الحسين فدخل عليه رجل فقال له: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم، فقال له النبي صلى الله عليه و سلم:" و ماذا أصنع إن كان الله قد نزع الرحمة من قلبك"، فمن لا يرحم لا يُرحم، و الجزاء من جنس العمل.
و عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال:*كنت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع، فمرضت مرضا أشفيت(أوشكت)منه على الموت، فعادني رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت: يا رسول الله لي مالا كثيرا، و ليس يرثني إلا ابنة لي، افأوصي بثلثي مالي؟ قال:لا، قال: قلت:بشطر مالي؟، قال:لا، قلت:فثلث مالي؟، قال: الثلث، و الثلث كثير، إنك يا سعد أن تدع ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس، إنك يا سعد لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلا أُجرت عليها، حتى اللقمة تجعلها في فيِّ امرأتك" متفق عليه.
بل محبة الخير للأبناء تدخل دخولا أوليا ضمن قول النبي صلى الله عليه و سلم:" لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"متفق عليه.
فإذا كنا ننشد سعادة الدارين فعلينا أن نوطن أنفسنا على محبة ذلك للآخرين و من باب أولى و أحرى أن نتمنى ذلك لأولادنا، و هذا من مقتضيات الإيمان