من حديث أنطونس السائح ومواعظه وهو عالم من علماء النصارى
ولقد عجبت لأهل العقول يعرفون الأمر الذي ضربت هذه الأمثال له ولا ينتفعون بالمعرفة كأنهم يرجون الثواب على المعرفة بالقول والمخالفة بالعمل ويل لأصحاب المعرفة الذين لو قصرت عنهم عقولهم لكان أعذر لهم ويل لهم ويل لهم لو قد أصابهم ما أصاب صاحب الكرم (بستان العنب)قالوا أخبرنا وكيف كان مثل صاحب الكرم مثل قال أنطونس زعموا أنه كان رجل له كرم واسع كثير العنب متصل الشجر مثمر فاستأجر لكسح ذلك الكرم ( جمع العنب ) وحفظه ثلاثة نفر ووكل كل رجل منهم بناحية معلومة وأمره بحفظ ناحيته وكسحها وقال لهم كلوا من العنب ما شئتم وكفوا عن هذه الثمار فلا تقربوها فتحل بكم عقوبتي واعلموا أني متفقد عملكم وناظر فيه وإياكم والتعدي لما أمرتكم به فتوجبون على أنفسكم العقوبة فأقبل أحدهم على حفظ ما أمر به من الكرم وكسحه ونزع العشب منه وقنع بأكل العنب وكف عن أكل الفاكهة التي نهي عنها وأقبل الثاني على مثل صنيع صاحبه الأول حينا ثم تاقت نفسه إلى أكل الثمار فتناولها وأقبل الثالث على أكل الثمار وترك العمل فضاعت ناحيته وفسدت وقدم صاحب الكرم لينظر إلى كرمه ويتفقد ما عمل أجراؤه فبدأ بالنظر في عمل الأول فرأى عملا حسنا وتوفيرا وكفا عما نهاه عنه فحمده وأعطاه فوق أجره فانقلب راضيا مغتبطا مسرورا ونظر في عمل الثاني فرأى عملا حسنا ورأى في الثمار فسادا قبيحا فقال ما هذا الفساد الذي أرى قال أكلت من هذه الثمار قال أولم أنهك عن ذلك قال بلى ولكن رجوت عفوك إلي وإحسانك قال ذاك لو لم أكن تقدمت إليك في الكف عن أكل الثمار ولكني لست أعتدي عليك في العقوبة إلا بما أذنبت ونظر في علم الثالث فإذا هو قد أضاع الكرم وأكل الثمار فقال له ويحك ما هذا قال هو ما ترى قال أرى عملا قبيحا وفسادا كثيرا وسأبلغ من عقوبتك ما أنت أهله فلما عرض أمر هؤلاء الأجراء على الناس قالوا الأول نعم الأجير كان وقد أحسن إليه صاحب الكرم وأعطاه أفضل من أجره وقالوا للثاني عمل الأحمق ولم يتم عمله لو صبر عما نهي عنه من أكل الثمار لأصاب من صاحب الكرم مثل ما أصاب صاحبه وقالوا للثالث بئس الأجير ضيع ما أمر به ثم أكل ما نهي عنه فهو أهل لما لقي من شر فهكذا أعمالكم يا معشر الحكماء في الدنيا تصير إلى ما صار إليه هؤلاء الأجراء في اليوم الذي تجزى فيه كل نفس بما عملت