فنقول: إنّ سورة الكوثر مع أنَّها أقصر سورة في القرآن الكريم ولكن على اختصارها و قصرها تشتمل على لطائف كثيرة نشير إلى بعضٍ منها: إنَّ هذه العطيَّة من الله سبحانه فالعطاء كبير حيث أن المعطِي كبير تعالى شأنه مضافاً إلى ابتداء الكلام بكلمة (إنّا) أعني بالجملة الإسميَّة مع ذكر ضمير المتكلم أعطيناك تدل على عظمة العطية.
قوله إنا أعطيناك يدل على أنه لن نسترجعها خصوصاً أنه سبحانه طلب منه الصلاة والنحر كعوض وهذا مثل ما لو أعطى أحدٌ ألف دينارٍ لشخص وأراد منه أن يقرأ الفاتحة على روح والده كعوض فلن يسترجعها منه.
قوله إنا أعطيناك ولم يقل سنُعطيك وهذا إن دلَّ على شيء فإنَّما يدلُّ على أنَّ هذا الأعطاء كان حاصلا في الماضي كيف لا والكوثر (الزهراء) كانت محوراً للأنوار (هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها) و كأنه يقول نحن قد هيأنا أسباب سعادتك قبل دخولك في الوجود فكيف نهمل أمرك بعد وجودك و اشتغالك بالعبودية. و أيضاً نحن لم نقدمك و لم نفضلك لأجل طاعتك فأعطيناك قبل إقدامك للصلوة و النحر.
قوله أعطيناك و لم يقل أعطينا الرسول أو النبي و هذا يدل على أن العطية لمحمد(صلى الله عليه وآله) خاصة كشخصيَّة مميَّزة.
قوله أعطيناك لا آتيناك وهو يدلُّ على التفضل الدائم المستمر في الدنيا مضافاً إلى الشفاعة في الآخرة حيث قال تعالى { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى }(1)
قوله الكوثر مضافاً إلى هذه الصيغة (فوعل) جاءت بنحو الجمع المحلَّى باللام الدال على الكثرة الشاملة من غير حدٍّ ، فالله أعطى كلَّ شيء قدره وخلقه { قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }(2)إلاّ الرسول حيث لا حدَّ للعطاء الإلهي له. { هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }(3)وأيضاً إنّ كلمة الكوثر التِّي هي صفة قد جاءت من غير موصوف و هذا يدل على الإبهام و الشياع.
في حين أن الكثرة في سائر الموارد قد وردت بالموصوف
فئة كثيرة - مغانم كثيرة - مواطن كثيرة - فواكه كثيرة - منافع كثيرة - خيرا كثيرا - مراغما كثيرا - ذكرا كثيرا)
قوله تعالى فصل وكأنَّه يقول لا تُبالِ ولا تهتم بقول العاص ابن وائل بل اشتغل بالصلاة.
قوله لربك وانحر(لربك) إشارة إلى انهم لا يصلون لله و لا ينحرون له.
و أشار إلى نوعين من العبادات البدنية والمالية .
قوله فصلِ أي اشتغل بأحسن ما تحبُّه وهو الصلوة وفيه إشارة إلى أنه (صلى الله عليه وآله) وسلم يحبُّ الصلوة حيث أن الصلوة قرةُ عينه (وقرة عيني الصلوة).
قوله لربك و صرف الكلام عن لفظ المضمر إلى لفظ المظهر دال على و فيه إظهار لكبرياء شأنه تعالى.
قوله إن شانئك يدل على عدم الاهتمام بشنئانه و ذكره بصفته لا باسمه يشمل كل من كان في مثل حاله و أيضاً إشارة إلى أن الشنئآن هو الباعث للتهمة ، والبغضاء هي الدافع للمحاربة.
وأمّا الأبتر فمأخوذ من البتر وهو في اللغة يعنى استئصال القطع يقال: بترته أُبتره بَترا .. صار أبتر و هو مقطوع الذنب و الأبتر يعنس من لا عقب له.
ولا يخفى أنَّ جعل الكوثر في قبال الأبتر يدلُّ على أنَّ الكثرة المرادة هي الكثرة في النسل وهي أكبر مُعجزة إلهيَّة حيث النسل الكثير للرسول (صلى الله عليه وآله) وسلَّم من أولاد فاطمة الزهراء (عليها السلام) في جميع أرجاء العالم وقد برز واحد منهم في الآونة الأخيرة حيث هزَّ عرش الطواغيت وهو سر الله.
اسم فاطمة إسم جامع لاسم الزهراء
( أمالي وخصال الشيخ الصدوق... عبد العظيم الحسنى عن الحسن بن عبد الله بن يونس عن يونس بن ظبيان قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) لفاطمة (عليها السلام) تسعه أسماء عند الله عز و جل فاطمة و الصديقة و المباركة و الطاهرة و الزكية و الراضية و المرضية و المحدثة و الزهراء ثم قال (عليه السلام) ا تدرى أي شيء تفسير فاطمة قلت أخبرني يا سيدي قال فطمت من الشر قال ثم قال لو لا أن أمير المؤمنين (عليه السلام) تزوجها لما كان لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه كتاب دلائل الإمامة للطبري عن الحسن بن احمد العلوي عن الصدوق مثله )(4)
أقول : إنّ الحديث يركّز على أسمائها عند الله وهذا المقام أعني مقام عند هو مقام عظيم لا يناله أحد إلاّ الأنبياء والأولياء.
وهو نفس المقام المذكور في الآيات الآتية: { وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى }(5)
و هي نفس عنده في قوله : { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ }(6)
{ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ }(7)
{ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا }(
.
{ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ }(9)
وأيضاً هناك تأكيد في الحديث على كلمة فاطمة خاصّة ووجه تسميتها بها بأنّها فطمت عن الشرّ وهذا مفهوم عام يستوعب جميع ما ذكر في وجه تسميتها بهذا الاسم .
وهناك نقطة في الحديث لها غاية الأهميّة وهي قوله (عليه السلام): (لو لا أن أمير المؤمنين (عليه السلام) تزوجها لما كان لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه )
وفي حديث آخر: ((عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول لو لا أن الله خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفو على الأرض )(10)
وهذه الجملة تبيّن عظمة كلّ من فاطمة وعليٍّ (عليه السلام) فهي (عليها السلام) أفضل من جميع نساء العالمين وهو (عليه السلام) أفضل من جميع الرجال آدم ومن دونه .
ثمّ _إنّ كلمة فاطمة من تجلّيات اسم الله سبحانه وتعالى وهي مشتقة بالاشتقاق الأكبر من فاطر وفي هذا المجال هناك أحاديث كثيرة نذكر ثلاثة منها كنماذج : ( .. سلمان الفارسي رضى الله عنه في حديث طويل قال قال النبي صلي الله عليه وآله يا سلمان فهل علمت من نقبائي و من الاثنا عشر الذين اختارهم الله للإمامة بعدي فقلت الله و رسوله اعلم قال يا سلمان خلقني الله من صفوه نوره .... إلى أن قال: و الله الفاطر و هذه فاطمة و الله ذو الإحسان و هذا الحسن و الله المحسن و هذا الحسين) (11)
(عن ابن مسعود قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلَّم لعلى بن أبي طالب (عليه السلام) لما خلق الله عز ذكره آدم و نفخ فيه من روحه و اسجد له ملائكته و اسكنه جنته و زوجه حواء أمته فرفع طرفه نحو العرش فإذا هو بخمسه سطور مكتوبات قال آدم يا رب من هؤلاء قال الله عز و جل هؤلاء الذين إذا تشفع بهم إلى خلقي شفعتهم فقال آدم يا رب بقدرهم عندك ما اسمهم قال أما الأول فأنا المحمود و هو محمد و الثاني فأنا العالي الأعلى و هذا علي و الثالث فأنا الفاطر و هذه فاطمة و الرابع فأنا المحسن و هذا حسن و الخامس فأنا ذو الإحسان و هذا حسين) (12)
(العجلي عن ابن زكريا عن ابن حبيب عن ابن بهلول عن أبيه عـن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده (عليه السلام) قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلَّم ذات يوم جالسا و عنده على وفاطمة و الحسن و الحسين (عليه السلام) فقال و الذي بعثني بالحق بشيرا ما على وجه الأرض خلق احب إلى الله عز و جل و لا اكرم عليه منا إن الله تبارك و تعالى شق لي اسما من أسمائه فهو محمود و أنا محمد و شق لك يا على اسما من أسمائه فهو العلي الأعلى و أنت على و شق لك يا حسن اسما من أسمائه فهو المحسن و أنت حسن و شق لك يا حسين اسما من أسمائه فهو ذو الإحسان و أنت حسين و شق لك يا فاطمة اسما من أسمائه فهو الفاطر و أنت فاطمة ثم قال اللهم إني أشهدك إني سلم لمن سالمهم و حرب لمن حاربهم و محب لمن احبهم و مبغض لمن ابغضهم و عدو لمن عاداهم و ولى لمن والاهم لأنهم منى و أنا منهم ) (13).