ينبغي للرجل أن يكون واقعياً في اختياره لزوجته، فلا يذهب
وراء الخيال والمثاليات في البحث عن الزوجة التي تسعده، فإن
بعض الناس يشترط في الزوجة شروطاً كشروط المجتهد
المطلق عند الأحناف، فيريد زوجةً في حسن يوسف وعفاف
مريم وصوت داود، وتكون على حد قول الأعشى:
* غَرّاءُ فَرعاءُ مَصقولٌ عَوارِضُها -
تَمشي الهُوَينا كَما يَمشي الوَجي الوَحِلُ
* كَأَنَّ مِشيَتَها مِن بَيتِ جارَتِها -
مَـرُّ السَـحابَةِ لا رَيـثٌ وَلا عَـجَلُ.
أما وجهها وشعرها فعلى حد قول صديقي أبي الطيب:
* كَشَفَت ثَلاثَ ذَوائِبٍ مِن شَعرِها -
في لَيلَةٍ فَأَرَت لَيالِيَ أَربَعـا
* وَاستَقبَلَت قَمَرَ السَماءِ بِوَجهِهـا -
فَأَرَتنِيَ القَمَرَينِ في وَقتٍ مَعا.
وهذه الأوصاف لا تنطبق إلا على إحدى الحور العين في جنّات
النعيم، بينما هو قد يكون أحمق من هبنّقة وأبخل من مادر
وأغبى من باقل وأجبن من أبي حيّة النميري. وعلى المرأة أن
تكون واقعية في اختيار الزوج ولا تهيم مع الخيال المجنّح في
اختيار شريك حياتها، فبعضهن متشدِّدة موسوسة في شروطها
التي يتصف بها الزوج، فتريده على حد قول أبي تمام: إِقدامَ
عَمرٍو في سَماحَةِ حاتِمٍ في حِلمِ أَحنَفَ في ذَكاءِ إِياس في زهد
الحسن البصري وفِقْه أبي حنيفة وحفظ الأصمعي، بينما هي قد
تكون آية في الغباء ومضرب المثل في ثقالة الدم وقمة في سوء
الخُلُق، لماذا لا نعيش واقعنا ونرضى بما تيسَّر؟ وإذا حصل
خلاف بين الزوجين فهناك وصفة سحرية اكُتشفت في الأخير
على يد أحد خبراء علم التربية بعد بحث طويل وسهر مضنٍ،
وهي أن يجلس الزوجان بعد كل مشكلة جلسة مصارحة
ومكاشفة تسمى جلسة (فضفضة) يشترط فيها ألا يشاهد
الزوجان التلفزيون ولا يشتغلان بالقراءة ولا بالنظر إلى
الحديقة، وإنما ينصت كل واحد منهما للآخر، فيبدأ أحدهما
بالحديث حتى يخرج كل ما في جعبته وينصت الآخر ولا يقاطع،
فإذا انتهى المتكلم
قال المستمع: هذا كلام جميل وأنا موافق عليه وآسف على كل
خطأ، ولا يحاول ان يعترض على أي كلمة سمعها أو يرد عليها،
بعدها سوف تتحوّل الجلسة إلى مصالحة ومسامحة، لأن 90%
من مشاكل الزوجين صغيرة وتافهة أو (كلام فاضي) فهي عن
تأخر الزوج عن البيت أو انشغال جواله أو كثرة ضيوفه أو عدم
مدحه لطعامها أو لأنه لم ينظر للزوجة بإعجاب عند دخول
البيت، أو أن الزوجة أخَّرت الطعام، أو لم ترتب الملابس أو
نسيت المناشف أو أن الشاي بارد أو أن ملح الطعام زائد قليلا،
وهذه المشاكل العالمية الكبرى تحتاج إلى جلسة طارئة فيها
فضفضة، ولا يتخذ فيها أي قرار، إنما إنصات وحسن استماع
وهزّ رأس بالموافقة وبعدها تعود الحياة أجمل ما تكون، أرجو
أن لا يكثر الزوجان من الجدل العقيم والمناقشات والحرص على
الردود فهذه لا تزيد النار إلا اشتعالا، قيل لأحد الحُكَماء كيف
تعالج المشكلة مع زوجتك؟
قال: أنصت لها حتى تقول كل ما لديها، ثم أوافق على كلامها
واعترف بالتقصير والخطأ، فتبدأ هي تبحث لي عن أعذار، ولو
ذهب الرجل يرد على زوجته ويغلّطها لرفعت صوتها وسبَّتهُ، ثم
كذَّبها، حينها تشتمه ثم يضربها فتقوم فتلطمه فيطلقها حالا
ويُهدم البيت، إذاً المشكلات الزوجية سهلة في الغالب، بل تافهة
إنما تحتاج إلى واقعية وفضفضة وسعة بال واعتراف بالخطأ
وعدم الحرص دائماً على أن يثبت أحد الزوجين للآخر أنه على
حق وسوف يصلح الحال، ويُشرح البال، ويزول الإشكال،
وينتهي القيل والقال، وعلى الرجل أن يستعمل المجاملة مع
زوجته، فإذا نظر إليها وهي معبِّسة مقطِّبة أسمعها قول الشريف
الرضي:
* يا ظَبيَةَ البانِ تَرعى في خَمائِلِهِ -
لِيَهنَكِ اليَومَ أَنَّ القَلبَ مَرعاكِ.
وإذا ذكرت له امرأةً أخرى جاملها وهوَّن من شأن الأخرى، وقال
كما قال شاعر الزُّلْفي ابن عويس:
* الزّين ما ودَّك تحطَّه مع الشِّين -
ودَّك تخلي كل شيٍّ لحالَهْ.
وعليها أن تجامله فإذا رأتهُ نائماً وله شخير قالت:
* يا ذيب يالّلي جرَّ صوتٍ عوى بهْ -
هو ذا هوى والاّ من الجوعْ ياذيبْ.
وإذا كحَّ وتنحنح فعليها أن تقول:
* بِاللَهِ لَفظكَ هذا سالَ من عسلٍ -
َم قَد صَبَبتَ على أَفواهِنا عَسَلا.
وعلى الزوج أن يمدح الشاي والمكسرات ويثني على الصحون
والملاعق وينظر بإعجاب إلى زوجته ويرفع يديه فيحمد الله على
أن رزقه بها وهو يتمنّى في نفسه أن تموت في أقرب وقت،
وعلى الزوجة أن تنظر بإعجاب إلى وجه زوجها العبوس
القمطرير وتقول له قول أبي الطيب:
* خَفِ اللَهَ وَاِستُر ذا الجَمالَ بِبُرقُعٍ -
فَإِن لُحتَ ذابَت في الخُدورِ العَواتِقُ.
وهو يبادلها النظر إلى وجهها المكفّهر ويقول:
* تبدَّتْ لنا كالشمس تحتَ غمامةٍ -
بدا حاجبٌ منها وضنَّتْ بحاجبِ.
والمقصود استعمال الدبلوماسية والمجاملة
(ومشّوا الأمور)
وأصلا الحياة قصيرة جداً.