عيون يسبح الخبث والدهاء فيها..تحيطُ بها جفون لاتنقبض ولاتنبسط..رموش كأسلاك مدببة من الصلب تكاد تخرق قلب من يمعن النظر لصاحبها..على رأسه قبعة إشتكى الذباب من نتن رائحتها..أصابعة المدببة الأظافر تتحرك متباعدة متقاربة من كفه الموصوم بخطوط النصب والإحتيال..ثلاث ورقات تحركها يديه فى خفة وسرعة كأنما يريدُ أن يُخفيها عن نفسه...وجموع من البشر سكنت البلاهة على جبينها وإن كان حسن الظن والطمع فى المال قد إرتسم كظلالهم على العُشب الأخضر...!
" بتاع الثلاث ورقات"....
كان ذلك هوالرجل الرث الثياب المُريبُ السحنة...
رأيته فى إحدى الحدائق منذ سنوات..يُمسكُ بثلاثة أوراق من ورق اللعب" الكوتشينة"..يُظهرها للواقفين أمامه فى إنتظار وتربص..ثم يمزجها مع بعضها برشاقة وتمكن المحترف الحازق..ليضعها ممدة فوق طاولة إشتكى العشب الأخضر من غلظة قوائمها المسنونة.
يتقدم أحدهم ليضع قطعة من النقود على ظهر ورقة إختارها بعينية ليراهن أنها "بنت"....يصمت اللاعب المخادع للحظات يرقب خلالها عين الفريسة التى عبث الشك بلعابها!..يرفع المخادع الورقة..."شاييييييييييب"...يضحك البلهاء بينما يرتد المراهن خاسئا" وهو حزين...
يتقدم ثانى وثالث ورابع وعاشر..
يربح أحدهم لكن المحتال هو الرابح الأول والأخير..!
ورغم مهارة ذلك المحتال وقدرته على التلاعب بمن يراقبونه..لكنه محدود المهارة وربما كان رحيما لأنه إستخدم ثلاثة أوراق فقط..!
لكن الحياة أشد مهارة وحيلة وربما أقسى علينا أحيانا"..فى كل مراحل عمرنا أوراق تبدوا لنا واضحة جلية من بعيد فنظن انها سهلة المنال وأن الرهان عليها رابح لا محالة...!
يراهن البعض على ورقة
" المال"..فيظل يسعى ويكد وينزف العرق والجهد وربما داس فى طريقه على مبادئ كانت تزين وجهه المتعب..وربما دهس فى طريقه قلوب كانت منه وله..حتى إذا وصل نهاية المطاف ألتصقت ورقته بكفه يملاءها الخسران والارق والندم على مامضى من عمره وعلى ما مات من مشاعر وئدت تحت التراب...!
ومن راهن على ورقة
"الحب" فقضى ليله متسكعا" بين أبيات الشعر وبحور مشتعلة القوافى...يميل قلبه على لحن كلماته سهر ولوعة وشوق وعذاب..حتى إذا نضج قلبه على نار الحب تمدد مغشيا" عليه على اوراق من عدم الوفاء وشح الصدق والغدر...!
ومن راهن على
" راحة البال" فزهد فى الناس وعاف المناصب والجاه والسلطان والدينار والدرهم..ربما ليقنع نفسه بالرضا وأن القناعة كنز لايفنى!...حتى إذا دارت به الأيام إستفاق على وقع الحكمة الصعبة" قل لإبن سيناء لاطبيب اليوم إلا الدرهمُ"...!..
وان الحياة أضحت مثل الكلمات المتقاطعة..مصالح تتقاطع أفقيا مع منافع رأسيا" وكلاهما متشابهان..!
أورااق...أورااااق...أورااااق
وسعيد الحظ الذى يُصادقه التوفيق ليصادف ورقته كما كان يظن ويتوقع..
أنا شخصيا" أراهن منذ زمن على ورقة واحدة...ورقة من بين عشرات الاوراق...!
تارة تلدغنى ورقة..تارة تخدعنى ورقة..تارة تبتزنى ورقة..تارة تحرقنى ورقة..!
تارة تغوينى ورقة لأُعانق ورقة إلتصقت بها..!
يا دنياااااا......
كونى كما تبغين لكن لن تكونى..
فأنا صنعتك من هوايا ومن جنونى..!دامت أوراقكم فى قلوبكم وأحلامكم