الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة مفروضة نخاف منها !
ميرفت عوف
جبلت النفس البشرية على التأثر بمحيطها الاجتماعي، تتأثر بما تسمعه وتراه ولا صواب لمن قاله أن الناس لا تهمه ولا يتأثر بما يقولون، فمهما كانت النفس عنيدة فإن الآذان "مفاتيح " تفتح بوسائل معينة، ومن هنا أمر الله - عز وجل - المسلمون بالأمر بالمعروف والنهي على المنكر لنفس البشرية سواء كانت مؤمنة أو مقصرة فهي في كل حالاتها تحتاج لذكرى.
كثيرا ما نقر بين بعضنا البعض أن ما يفعله فلان أو فلانة " حرام " لكننا نرد على استنكارنا لهذا الحرام برفض النهي عن المنكر قائلين " لا.. أخاف أن يوبخني أو يحرجني، اتركيه الله يهديه "، وبذلك نكون رفضنا الانصياع لأمر الله - عز وجل - في قوله: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، و آخرون منا يرددون: " ذنبه على حاله " وهو لا يعلم مفاد قسم الرسول - عليه أفضل الصلاة والسلام - في حديثه: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم"، وكثيرا منا لا يتأمل خيرا ممن سيقبل على أمره بالمعروف أو نهيه عن منكرا فيقول: " لا فائدة من الكلام.. لن يستجيب "، وهو لا يوقن قوله تعالي: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}.
" لها أون لاين " في التقرير التالي تتحدث عن أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و حالنا مع هذه العبادة الني نخاف منها.. تابع معنا: ـ
استعد " أبو رائد " لطلب من عديله " نافذ " الكف عن بيع السجائر وعلمت زوجته بنيته فهمست في آذنه " لا تقوله.. هو عارف أنها حرام.. راح يزعل منك وما ينوبك شيء غير سواد الوجه " فرد عليه زوجها " أنا سأقول له وأبري ذمتي ".
لم يكن الموقف السابق واحد في حياة أبو رائد، فهو على مر حياته اعتاد على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لو بأسلوب " جرئ " لحد ما كما وصفته زوجته، الرجل الذي أقر بأن تقصير الناس كبير في هذه العبادة قال: الناس لا تفرق بين ما هو مطلوب منا وبين التدخل في الخصوصيات وكثيرا ما يمتنعون عنها بحجة أنها من الخصوصيات وهذا خاطئ جدا ".
أم رائد الزوجة تقر لنا أن " خجلها " يمنعها من النهي عن المنكر إلا في حدود ضيقة جدا ومع هذا فهي تقبل على الأمر بالمعروف أكثر تقول عن آخر تجاربها أنها نجحت في الإصلاح بين "سلفتيها " بعد تدخل بسيط منها وهي تحرص على هذا النوع من العمل في المحيط النسائي الذي تكثر فيه " المشاكل " كما تقول، وتبدي أم رائد غضبها من المقصرون في الأمر في المعروف على وجه التحديد وتقول: " الناس يثرثرون في الكلام وعند الحاجة لكلمات معدودة لأمر بالمعروف يتوقفون بحجة " ملنش دعوة " "بكرة بيتصلحوا لحالهم " يا داخل بين البصلة وقشرتها " هو مش صغير ما بده حد يقوله " والحجج الكثير تمعنا من تطبيق هذه العبادة.
تعويد وإصرار وتوكل:
تقول أم يوسف: " لم تكن لدي قدرة البتة على النهي عن أي منكر أراه بدافع الخجل، لكنني في يوم سمعت درس كامل عن أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولكن لم أتخيل بصراحة أهمية هذه العبادة في الإسلام "، وتضيف: " تجنبا للخجل والخوف من نهي أي شخصا عن منكر بدأت أفكر جيدا في آلية الحديث مع هذا الشخص أو ذلك وبدأت مع أهلي بعد أن كان المفهوم لدي أن الحلال بين والحرام ".
وتضيف: " أنا بفضل الله لم أكن أسمع أغاني ولكن بناتي الصغار كغيرهن يحبهن سماع الأغاني على القنوات الفضائية وعندما كن يسمعن الأغاني وأنا جالسة كنت أقول في نفسي هن أحرار، ثم بدأت أطالبهن بالتغير عن هذه القنوات إلى شيء مفيد وأسابقهن بالوضع على قناة المجد للقرآن مثلا فيستحين من التحويل للأغاني إلى أن أصبحت وبفضل الله عادة لديهن عدم مشاهدة هذه الأغاني وأصبح الصغار تلقائيا يحولون عن الأغاني مقتنعون بما كنت أقوله لهن أنها حرام وأفرض أنك مت وأنت تسمع أغاني والشيطان يجلس معنا وهكذا ".
وتستنكر أم يوسف ازدياد حالت المنكر في الشوارع من تبرج وتجاوزات على مرآي ومسمع الناس وقالت: " لو وجد هؤلاء من بيننا ناهون عن المنكر لما أصروا على ما يفعلون حياء على الأقل من كثر الناهون لهم عن المنكر "، وتوصي أم يوسف الجميع بإتباع الأسلوب اللين اللبق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أفضل القربات:
إن موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موضوع عظيم، جدير بالعناية؛ لأن في تحقيقه مصلحة الأمة ونجاتها، وفي إهماله الخطر العظيم والفساد الكبير، واختفاء الفضائل، وظهور الرذائل.
هكذا تحدث سماحة المفتي عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - عن هذه الفريضة وأضاف: " أن من أهم المهمات وأفضل القربات التناصح والتوجيه إلى الخير والتواصي بالخير والصبر عليه، والتحذير مما يخالفه ويغضب الله - عز وجل -، ويباعد من رحمته "، ويوضح سماحته أن المسلمون في عهده وعهد أصحابه وفي عهد السلف الصالح يعظمون هذا الواجب، ويقومون به خير قيام، وفي عصرنا هذا صار الأمر أشد، والخطر أعظم، لانتشار الشرور والفساد، وكثرة دعاة الباطل، وقلة دعاة الخير في غالب البلاد، ويضيف: " ومن أجل هذا أمر الله - سبحانه وتعالى - به، ورغب فيه، وقدّمه في آية آل عمران على الإيمان، وهي قوله - سبحانه وتعالى -: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110
واجب تكليفي:
أستاذ الشريعة بكلية الدعوة بغزة د. بسام العف يؤكد أن وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أجل الوظائف وأرفعها، ويقول: " يكفينا فخراً أنها وظيفة خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد - عليه الصلاة والسلام - الذي قام بها على أحسن وجه وأكمل صورة،، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة وواجب تكليفي بلا خلاف بين العلماء، والقيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من أفضل الأعمال وأجل القربات، بل به تحقق الخيرية لهذه الأمة ".
ويقول د. العف: إن الله - عز وجل - توعد من يستطيع القيام بعبء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم يهمل أو يترك أو يفرط فيها بالوعيد الشديد الذي ترتب على يدل على أنها فريضة عظيمة من الفرائض، بل بعضهم اعتبر التقصير فيها وتركها مع القدرة عليها من الكبائر.
ويوضح د. العف أن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أشبه بفريضة الحج، بل هي آكد؛ إذ لا يشترط فيها الاستطاعة كما اشترطت في الحج فهي مستطاعة على الدوام فلا بد للمرء أن يقوم بها ولو بالإنكار القلبي الذي يتصف بأنه أضعف الإيمان، كما أن القيام بها واجب على الاستمرار بخلاف فريضة الحج التي هي مرة واحدة في العمر، وهي ليست من فروض الكفاية التي إذا فعلها بعض الناس سقط الإثم عن الباقين كصلاة الجنازة الذي يكفي فيها أن يعلم أنه يوجد من يصلي عليه، لكنه إذا علم بالمنكر وجب عليه أن يتحرك حتى ينهى عنه ولا ينتظر غيره، وعلى الأقل أن ينكره بقلبه.