يقول أحد المدخنين:
جالس وحدي والابتسامة تعلو شفاهي ... أراها تملأ صدري تجوب كل خلجات كياني ... فأنا في لحظة قد تذكرت
حوارا ... دار يوما بيني وبين سيجارة . نعم حديث مع سيجارة ... فابتسمت حينما وقعت عيناي عليها وعلت الضحكة
فوق شفاهى وأنا أتذكر هذا الموقف ... حديثا مهما طوت الدهر من صفحات فلن يطوي هذه الصفحة أبدا من حياتي .
وهذه هي قصتي مع السجاير وحواري مع أخر سيجارة
... أحسست أني قد كبرت يوما فأحببت أن أظهر لأصدقائي أني أصبحت
رجلا ... ولكن كيف ؟ كيف وأنا لست إلا مجرد طالب يأخذ المصروف من والديه ؟ كيف كيف كيف أتغلب علي هذا
الموضوع وأثبت لنفسي ولمن حولي أني قد كبرت ؟
وذات يوم قال لي أحد الاصدقاء تعال معي لنجلس علي القهوة وكانت أول مرة لي أجلس فيها علي القهوة ولكنها
بالطبع لم تكن الأخيرة ! ثم رآيته يطلب حجرا !!! كيف له أن يفعل هذا ؟ ولكنها جاءت وبدأ يتلذذ بها ويقول لي أتعلم
إنها أكثر شئ يخرج ما بداخلي مع أنفاسي هل تريد أن تجرب ؟ فجاوبت بالنفي ولكن نظرته لي وكأنني طفل صغير
جعلتني لا أتمالك نفسي فأخذتها من يديه وكان أول نفس لي في حياتي ... وبالطبع لم يكن الأخير هو الأخر .
وفي اليوم التالي تكرر الموضوع وخلال أسبوع كنا نجلس علي القهوة وكل منا يطلب الشيشة خاصته وأصبحت هذه
العادة اليومية لا تفارقنا كل يوم في نفس الموعد ... نفس القهوة – نفس المكان – نفس الشيش
وبعد عدة أيام انتقلنا إلى مرحلة أخرى وقد كنا سويا زملاء دراسة وفي أحد الأيام كنا في الفسحة حين جاءني
صديقي وقال لي – ليك في نفسين علي السريع – فقلت له وكيف نخرج من المدرسة ؟ -- قال ومن قال أننا سوف نخرج
من المدرسة ؟؟!! تعالي ورائي وبالطبع ذهبت وراءه ومن حوش المدرسة إلى دورة المياه --- ويا للعجب لهول ما رأيت
سحب من الدخان تملأ الحمام ... أين المسئول عن هذه المدرسة ؟ ولكنني لم أبالي بذلك وأخرج السجائر وأعطاني
واحدة وكانت الأولي ولكنها أيضا لم تكن الأخيرة ... لقد تعددت الزيارات لهذا الحمام في أوقات الفسحة بجوار القهوة
الليلية --- كل ذلك وأنا لا أدري لما هذا الانقياد ولكنني أصحبت أشتري السجاير فلم يكن من المعقول أن يكون هو من
يأتي بها مرارا --- فبدأت أستقطع من مصروفي كي أشتري هذه الملعونة كما أصبحت جزء مني لا يمنكن الاستغناء
عنه ...
ومرت بي الأيام والأسابيع وتخطيت الشهور بل السنوات والسيجارة هي الصديق الأول في حياتي ... حتى جاء اليوم
الذي لم ولن يسقط أبدا من ذاكرتي ... يوم أن تحدثت معي سيجارة ودار بيننا هذا الحوار ...
أخرجت علبة سجائري لألتقط منها سيجارة فلم أجد بها سوي واحدة فأخرجتها ثم وضعتها في فمي ورميت العلبة غير
مبال بها ... وهممت بإخراج قداحتي لإشعال السيجارة ... ولكن !!! تطرقت إلي أذني همسات ضحكة خافتة جدا نعم
ضحكة ولكنها ضعيفة لا تجعلني أستطيع تمييز من أين تأتي ... فنظرت حولي وكأنني أنتظر أن أجد أحدا مع علمي
أني جالس في حجرتي وحدي وقد أغلقت الباب من ورائي ... ظننت أنني أتوهم فالصوت قد غاب ... فعاودت محاولة
إشعال السيجارة مرة أخرى ولكن هذه المرة سمعت نفس الضحكة بصوت أعلى !!! ماذا يحدث ؟ فعلت مثل ما فعلت المرة
الأولي ولكن دون جدوي لا أحد حولي فقررت أنه هاجس والتفت لاشعل سيجارتي ولكن الضحكة هذه المرة قد علت
وعلت فابعدت السيجارة عن شفتي وبدأت أنظر إليها متوهما أنني قد جننت ... فبدأت أنظر إليها محدقا وبدأت أتخيلها
وهي تتحول أمامي وبين يدي إلي ما يشبه الوجه الذي يضحك ولكن بسخرية ...
فأغلقت عيني ثم فتحتها مرة أخرى علي نفس الوجه ونفس الضحكة الساخرة ولكن هذه المرة سمعت صوتا يخرج من
السيجارة ويقول لي : ألن تشعلني ؟
فقلت كيف يحدث هذا ؟
قالت : وما الجديد الذي يحدث ؟
قلت : وهل كل السجائر تتكلم ؟
قالت : نعم كلنا نتكلم ولكن صوتنا منخفض لا يصل إليكم معشر البشر
قلت : إذن أخبريني لماذا الضحك ؟
قالت : لأنك سوف تشعلني
قلت : ألا تخافين النار ؟
قالت : لا فمن صنعني لم يصنعني لأُحَرق ولكنه صنعني لأَحرِق
فتعجبت من قولها وجلست أنظر إليها وأتأملها بهذه الابتسامة التى تعلو وجهها ثم توجهت اليها بالحديث
فقلت : إذن سوف أشعلك ولتكن هنا نهايتك
قالت : هيا أشعلني لا تتردد فهذه بدايتي
قلت : ولكنني الآن سوف أحرقك !
قالت : لا بل سوف تذرعني بجوار إخوتي في دمك
وهنا نعم هنا فقط استوعبت الكلمة كثيرا ... كم سيجارة أحرقتها وكم عانيت وتألمت ولكنني كنت دائما أتجاهل آلامي
وأصر دائما علي السجائر ... ولكنني قلت فجأة ما خطر ببالي وكان تكملة الحوار هو التالي :
قلت : ومن يبالي ؟
قالت : لست أنت بل أنا من يبالي
قلت : لماذا ؟
قالت : لأنني خلقت لكي أدمر
قلت : أنت أيتها السيجارة الضعيفة
قالت : نعم أنا ... أنا اقوي منك أيها الرجل المغرور البائس !
قلت : كيف وباستطاعتي رميك تحت أقدامي
قالت : ولكنك سوف تذهب لشراء إخواني
فاستوقفتني الكلمات مرة أخرى وهربت مني نعم إنها تتحدث عن حقيقة ما سأفعل ولكن كيف ؟ كيف تجرؤ وتتحداني ؟
فقلت : أنت لا تملكين شئ مني
قالت : أنا أسيطر عليك فأنت عبد لي بل أنت خدامي
قلت : كيف وأنا حر نفسي ؟
قالت : أنا اقرب إليك من نفسك
قلت : لا ... أنت لست إلا مجرد سيجارة
قالت : إذن فلتجاوب علي سؤالي !
قلت : نعم أجيب ولكن ما هو سؤالك ؟
قالت : وأنت في المنزل أولست معك ؟
قلت : نعم
قالت : وأنت في عملك أولست معك ؟
قلت : نعم
قالت : وأنت مع أصدقائك أولست معك ؟
قلت : نعم ! نعم ! نعم ! ماذا تريدين مني ؟
قالت : فكيف إذن تقول إني مجرد سيجارة وأنا معك أسيطر عليك في كل أوقات حياتك ؟
فعلت الدهشة وجهي ولكنها لم تمهلني الكثير وألقت علي سؤال كان كالصاعقة ! سؤالا اهتززت له بقوة لم أعهدها !
وأصبحت الدموع علي باب عيني وأنا أستمع إليها
قالت : أولم يحرمني الله عليك ؟
قلت : وأنا في كامل دهشتي نعم
قالت : وهل أنا أقرب إليك من الله ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وهنا هنا فقط لم اقدر علي الإتيان بأي كلمة --- لقد خرجت مني الكلمة تلقائية وكان الرد في أقصى سرعة بالنفي ---
بالطبع لا --- ولكن خرجت الكلمة وعلا بعدها الصمت ... صمت تام في المكان وكأن الزمان قد تجمد وأنا أنظر إليها
مشدوها ... وهي تنظر إلي ولم تفارقها الابتسامة الظافرة الساخرة ... وكأننا في معركة وقد انتصرت في الجولة
الحاسمة .
مر الوقت طويلا وأنا لا أدري بشئ سوي أنني أنظر إليها وأتحدث إلي نفسي في صمت كي لا تسمعني ...
قلت لنفسي : هل يمكن أن تتغلب عليك هذه السيجارة ؟ بل هل يمكن أن تجعلها تحتقرك لهذه الدرجة ؟ أين أنت يا رجل
؟ أين عقلك ؟ وأين كنت ؟ وفيما أهدرت وسط هذه السجائر حياتك ؟ أكنت تهرب من الواقع ؟ من الضغوط ؟ من
الهموم ؟ أم من ماذا ؟؟؟
انفجرت بداخلي براكين من الأسئلة ... وأخيرا تهللت أساريري لقد وجدت الحل أخيرا بداخلي نعم لقد خرج الشيطان الذي
كان يملكني عندما ذكرت إيماني --- فنظرت إليها لأتبادل معها الابتسامة الظافرة
أحست أنني ابتسم من اللاوعي وأنها امتلكتني وأنني أصبحت ملكا لها --- ولكنها لم تكن تعلم أنها ابتسامة حزن نعم
فقد تحدتني هذه السيجارة وكادت أن تنتصر إلا أنا أخطأت حينما تحدت بالله إيماني --- حتى ولو كان في تركها كل
آلام الدنيا ... فهي لن تساوي شيئا أمام سؤال إلهي – كيف عصيتني وتغلبت عليك مجرد سيجارة ؟ - دار هذا الحوار كله
بيني وبين نفسي --- ثم قطعت الصمت وهي تهمس لي ساخرة
قالت : هيا هيا لتشعلني
فأوقعت قداحتي عمدا ثم دهستها تحت أقدامي
وقلت : الآن ليس معي قداحة
قالت : إذن لننتظر حتى تأتي بأخرى
قالتها وهي لم تكن تعلم أني بيني وبين نفسي قد أقسمت علي إلا أشتري أبدا قداحة – وأنها ستكون دوما أمامي
شيطانا يريد أن يقتات من النار ليزداد قوة ... وأنا أسيطر عليه ولا أحصل له علي ناره – فالعذاب له إن تجرأ علي
الخالق – والعذاب لي إن أطعمته وتجرأت والعياذ بالله علي الخالق
قلت : إذن لننتظر سويا حتى أتي بقداحة
قالت : وأنا في انتظار هذه اللحظة
قلت : نعم لتظلي في انتظارها
وها هي بعد كل هذه السنين جالسة أمامي في نفس المكان نظر إليَّ وتتوسل وتترجاني أن أشعلها – ولكنني الآن
أسير طوعا لربي – نادما علي ما بدر مني – راجيا رحمة من سواني .
لقد علمتني درسا لم ولن أنساه ما حييت وها هي الآن تبكي علي إنها يوما تحدتني – تزرف الدمع دما حينما تلقاني –
وأنا ابتسم لها لأنها وجهتني وجعلتني أتغلب علي شيطاني - وبعد أن كانت هي الصديقة والحبيبة والجارة أصبحت
مجرد سيجارة مجردة من المشاعر الجميلة مملوءة بكل حقارة
أتعلمون لماذا لن يطوي الزمان هذه الصفحة من حياتي ؟ لأنني لازلت أحتفظ بهذه السيجارة --- كلما نظرت إليها علت
الابتسامة علي شفاهي --- فقد انتصرت عليها نعم انتصرت عليها --- فرضيت ربي ورضيت نفسي وتركتها عمدا أمامي
لتعلم أنني اقوي من أن أقع تحت تأثير مجرد سيجارة
يا رب ولو واحد يعتزل السجاير بعد القصة دي وي**ب رضاك وترضي عنه إنه قدر يتحدي نفسه ويتغلب علي ضعفه – يا
رب اجعل فينا القوة لنتغلب علي أعدائنا الصغار كي نتمكن من التغلب علي أعدائنا الكبار
إلي كل مدخن
هل السيجارة أقوي منك ؟ هل هي من يحميك من مشاكلك ؟ هل هي من يؤنس وحدتك ؟
فلتجاوب صراحة ولتعلم أنها إن أتت أو راحت
مجرد سيجارة
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
وربنا يقدم اللى فية الخير
الخميس 05 يوليو 2012, 7:50 pm من طرف لؤلؤة البحر
